قصة الأبرص والأقرع والأعمى
المؤمن ھو الذي يعرف ربه ، ويعترف له بنعمه ، ويؤدي شكرھا في جميع الأحوال ، في حال الشدة والرخاء ، والضراء والسراء ، وھذا ھو مقتضى العبودية لله رب العالمين ، وھناك طائفة من الناس لا يعرفون لله إلا عند نزول البلاء والشدة ، فإذا كشفھا عنھم عادوا إلى ما كانوا عليه من الكفر والعناد والإستكبار ، كأن لم يصابوا بشيء قبل ذلك ، قال سبحانه "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون " .
قصة الأبرص والأقرع والأعمى |
ثم مضت الأعوام ، وبارك لله لكل واحد منھم في ماله ، فإذا به يملك واديًا من الصنف الذي أخذه ، فالأول يملك واديًا من الإبل ، والثاني يملك واديًا من البقر ، والثالث يملك واديًا من الغنم ، وھنا جاء موعد الإمتحان الذي يفشل فيه الكثير وھو إمتحان السراء والنعمة فبعض الناس قد يصبر على الشدة ولكنه لا يعرف حق النعمة ، مع أن الكل بلاء وفتنة ، قال عز وجل"ونبلوكم بالشر والخير فتنة
" الأنبياء ( 35 ).
فعاد إليھم الملك ، وجاء كل واحد منھم في صورته التي كان عليھا ،ليذكر نعمة لله عليه,
فجاء الأول على ھيئة مسافر فقير أبرص ، إنقطعت به السبل وأسباب الرزق ، وسأله بالذي أعطاه الجلد الحسن واللون الحسن ، والمال الوفير ، أن يعطيه بعيرًا يواصل به سيره في سفره
, فأنكر الرجل النعمة , وبخل بالمال ، وإعتذر بأن الحقوق كثيرة ، فذكره الملك بما كان عليه قبل أن يصير إلى ھذه الحال ، فجحد وأنكر ، وإدعى أنه من بيت ثراء وغنى ، وأنه ورث ھذا المال أبا عن جد، فدعا عليه المَلَك إن كان كاذبًا أن يصير إلى الحال التي كان عليھا .
ثم جاء الأقرع في صورته ، وقال له مثل ما قال للأول ، وكان حاله كصاحبه في الجحود والإنكار . أما الأعمى فقد كان من أھل الإيمان والتقوى ، ونجح في الإمتحان ، وأقر بنعمة لله عليه ، من الإبصار بعد العمى ، والغنى بعد الفقر ، ولم يعط السائل ما سأله فقط ، بل ترك له الخيار أن يأخذ ما يشاء ، ويترك ما يشاء ،وأخبره بأنه لن يشق عليه برد شيء يأخذه أو يطلبه من المال ، وھنا أخبره الملك بحقيقة الأمر وتحقق المقصود وھو إبتلاء الثلاثة وأن لله رضي عنه وسخط على صاحبيه .
فھؤلاء الثلاثة يمثلون أصناف الناس ، الشاكرون لأنعم لله ، والكافرون بھا ، وهو يدل على أن لله لايزال يبتلي العباد بالسراء والضراء كما إبتلى ھؤلاء الثلاثة ، ليتبين الشاكر من الكافر ، وأن النعم إنما تدوم بالشكر ، وھو الإعتراف بھا للمنعم ، والتحدث بھا بين الناس ، وتصريفھا في مرضاته ، فبھذه الأمور تحفظ النعم من الزوال .
تعليقات
إرسال تعليق